سورة يوسف - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


هذا شروع في حكاية خلاص يوسف، وما كان بعد ذلك من خبره، وقد تقدم تفسير السيارة، والمراد بها هنا: رفقة مارة تسير من الشام إلى مصر، فأخطؤا الطريق وهاموا حتى نزلوا قريباً من الجبّ، وكان في قفرة بعيدة من العمران. والوارد: الذي يرد الماء ليستقي للقوم، وكان اسمه فيما ذكر المفسرون مالك بن ذعر من العرب العاربة {فأدلى دَلْوَهُ} أي: أرسله، يقال: أدلى دلوه إذا أرسلها ليملأها، ودلاها: إذا أخرجها، قاله الأصمعي وغيره. فتعلق يوسف بالحبل، فلما خرج الدلو من البئر أبصره الوارد فقال: {يا بشراي} هكذا قرأ أهل المدينة وأهل مكة وأهل البصرة، وأهل الشام بإضافة البشرى إلى الضمير. وقرأ أهل الكوفة {يا بشرى} غير مضاف، ومعنى مناداته للبشرى: أنه أراد حضورها في ذلك الوقت، فكأنه قال: هذا وقت مجيئك وأوان حضورك. وقيل: إنه نادى رجلاً اسمه بشرى. والأوّل أولى. قال النحاس: والمعنى من نداء البشرى للتبشير لمن حضر، وهو أوكد من قولك بشرته كما تقول يا عجبا أي: يا عجب هذا من أيامك فاحضر. قال: وهذا مذهب سيبويه {وَأَسَرُّوهُ} أي: أسرّ الوارد وأصحابه الذين كانوا معه يوسف فلم يظهروه لهم. وقيل: إنهم لم يخفوه، بل أخفوا وجدانهم له في الجبّ، وزعموا أنه دفعه إليهم أهل الماء ليبيعوه لهم بمصر. وقيل: ضمير الفاعل في {أسرّوه} لإخوة يوسف، وضمير المفعول ليوسف، وذلك أنه كان يأتيه أخوه يهوذا كل يوم بطعام، فأتاه يوم خروجه من البئر فأخبر إخوته فأتوا الرفقة وقالوا: هذا غلام أبق منا فاشتروه منهم، وسكت يوسف مخافة أن يأخذوه فيقتلوه، والأوّل أولى. وانتصاب {بضاعة} على الحال: أي أخفوه حال كونه بضاعة أي: متاعاً للتجارة، والبضاعة: ما يبضع من المال، أي: يقطع منه، لأنها قطعة من المال الذي يتجر به، قيل: قاله لهم الوارد وأصحابه أنه بضاعة استبضعناها من الشام مخافة أن يشاركوهم فيه، وفي قوله: {والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} وعيد شديد لمن كان فعله سبباً لما وقع فيه يوسف من المحن وما صار فيه من الابتذال بجري البيع والشراء فيه، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم في وصفه بذلك.
قوله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دراهم مَعْدُودَةٍ} يقال: شراه بمعنى اشتراه، وشراه بمعنى باعه. قال الشاعر:
وشريت برداً ليتني *** من بعد برد كنت هامه
أي: بعته.
وقال آخر:
فلما شراها فاضت العين عبرة ***
أي اشتراها.
والمراد هنا: وباعوه، أي: باعه الوارد وأصحابه {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي: ناقص، أو زائف، وقيل: يعود إلى إخوة يوسف على القول السابق، وقيل: عائد إلى الرفقة، والمعنى: اشتروه.
وقيل: بخس ظلم، وقيل: حرام. قيل: باعوه بعشرين درهماً، وقيل: بأربعين، و{دراهم} بدل من ثمن أي: دنانير، و{معدودة} وصف لدراهم، وفيه إشارة إلى أنها قليلة تعدّ ولا توزن؛ لأنهم كانوا لا يزنون ما دون أوقية وهي أربعون درهماً، {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين} يقال: زهدت وزهدت بفتح الهاء وكسرها. قال سيبويه والكسائي: قال أهل اللغة: يقال: زهد فيه أي رغب عنه، وزهد عنه أي: رغب فيه. والمعنى: أنهم كانوا فيه من الراغبين عنه الذين لا يبالون به، فلذلك باعوه بذلك الثمن البخس؛ وذلك لأنهم التقطوه، والملتقط للشيء متهاون به، والضمير من {كانوا} يرجع إلى ما قبله على حسب اختلاف الأقوال فيه.
{وَقَالَ الذى اشتراه مِن مّصْرَ} هو العزيز الذي كان على خزائن مصر، وكان وزيراً لملك مصر، وهو الريان بن الوليد من العمالقة. وقيل: إن الملك هو فرعون موسى، قيل: اشتراه بعشرين ديناراً، وقيل: تزايدوا في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكاً وعنبراً وحريراً وورقاً وذهباً ولآلئ وجواهر، فلما اشتراه العزيز قال: {لاِمْرَأَتِهِ} واللام متعلقة ب {اشتراه} {أَكْرِمِى مَثْوَاهُ} أي: منزله الذي يثوى فيه بالطعام الطيب واللباس الحسن. يقال: ثوى بالمكان أي: أقام به {عسى أَن يَنفَعَنَا} أي: يكفينا بعض المهمات مما نحتاج إلى مثله فيه {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أي: نتبناه فنجعله ولداً لنا. قيل: كان العزيز حصوراً لا يولد له، وقيل: كان لا يأتي النساء، وقد كان تفرّس فيه أنه ينوب عنه فيما إليه من أمر المملكة.
قوله: {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} الكاف في محل نصب على أنه نعت مصدر محذوف، والإشارة إلى ما تقدّم من إنجائه من إخوته وإخراجه من الجبّ، وعطف قلب العزيز عليه أي: مثل ذلك التمكين البديع مكنا ليوسف حتى صار متمكناً من الأمر والنهي، يقال: مكنه فيه أي أثبته فيه، ومكن له فيه أي: جعل له فيه مكاناً، ولتقارب المعنيين يستعمل كل واحد منهما مكان الآخر.
قوله: {وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} هو علة لمعلل محذوف كأنه قيل: فعلنا ذلك التمكين لنعلمه من تأويل الأحاديث، أو كان ذلك الإنجاء لهذه العلة، أو معطوف على مقدّر، وهو أن يقال: مكنا ليوسف ليترتب على ذلك ما يترتب مما جرى بينه وبين امرأة العزيز، {ولنعلمه من تأويل الأحاديث}؛ ومعنى تأويل الأحاديث: تأويل الرؤيا، فإنها كانت من الأسباب التي بلغ بها ما بلغ من التمكن، وقيل: معنى تأويل الأحاديث فهم أسرار الكتب الإلهية وسنن من قبله من الأنبياء، ولا مانع من حمل ذلك على الجميع.
{والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} أي: على أمر نفسه لا يمتنع منه شيء، ولا يغالبه عليه غيره من مخلوقاته {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [ياس: 82]. ومن جملة ما يدخل تحت هذا العام كما يفيد ذلك إضافة اسم الجنس إلى الضمير، ما يتعلق بيوسف عليه السلام من الأمور التي أرادها الله سبحانه في شأنه. وقيل: معنى {والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} أنه كان من أمر يعقوب أن لا يقصّ رؤيا يوسف على إخوته، فغلب أمر الله سبحانه حتى قصت عليهم حتى وقع منهم ما وقع، وهذا بعيد جدّاً {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أي: لا يطلعون على غيب الله وما في طيه من الأسرار العظيمة والحكم النافعة، وقيل: المراد بالأكثر: الجميع؛ لأنه لا يعلم الغيب إلاّ الله. وقيل إن الله سبحانه قد يطلع بعض عبيده على بعض غيبه، كما في قوله: {فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ} [الجن: 26- 27]. وقيل: المعنى ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله غالب على أمره، وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقدر.
قوله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} الأشدّ. قال سيبويه: جمع واحدة شدّة، وقال الكسائي: واحده شدّ.
وقال أبو عبيد: إنه لا واحد له من لفظه عند العرب، ويردّه قول الشاعر:
عَهدي به شدَّ النهارِ كأنما *** خُضِبَ البنانَ ورأسه بالعظْلم
والأشدّ: هو وقت استكمال القوة، ثم يكون بعده النقصان. قيل: هو ثلاث وثلاثون سنة، وقيل بلوغ الحلم، وقيل: ثماني عشرة سنة، وقيل غير ذلك مما قد قدمنا بيانه في النساء والأنعام. والحكم: هو ما كان يقع منه من الأحكام في سلطان ملك مصر، والعلم: هو العلم بالحكم الذي كان يحكمه؛ وقيل: العقل والفهم والنبوّة؛ وقيل: الحكم هو النبوّة، والعلم: هو العلم بالدين. وقيل: علم الرؤيا، ومن قال: إنه أوتي النبوة صبياً قال: المراد بهذا الحكم والعلم الذي آتاه الله هو الزيادة فيهما. {وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} أي: ومثل ذلك الجزاء العجيب نجزي المحسنين، فكل من أحسن في عمله أحسن الله جزاءه. وجعل عاقبة الخير من جملة ما يجزيه به. وهذا عام يدخل تحته جزاء يوسف على صبره الحسن دخولاً أولياً. قال الطبري: هذا وإن كان مخرجه ظاهراً على كل محسن فالمراد به محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى كما فعل هذا بيوسف ثم أعطيته ما أعطيته كذلك أنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة، وأمكن لك في الأرض. والأولى ما ذكرناه من حمل العموم على ظاهره فيدخل تحته ما ذكره ابن جرير الطبري.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله: {وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ} قال: جاءت سيارة فنزلت على الجبّ {فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} فاستسقى الماء فاستخرج يوسف، فاستبشروا بأنهم أصابوا غلاماً لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربه، فزهدوا فيه فباعوه، وكان بيعه حراماً، وباعوه بدراهم معدودة.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} يقول: فأرسلوا رسولهم {فأدلى دَلْوَهُ} فنشب الغلام بالدلو، فلما خرج {قَالَ هذا غُلاَمٌ} تباشروا به حين استخرجوه، وهي بئر ببيت المقدس معلوم مكانها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن السدّي في قوله: {يا بشراي} قال: كان اسم صاحبه بشرى كما تقول: يا زيد، وهذا على ما فيه من البعد لا يتم إلاّ على قراءة من قرأ: {يا بشرى} بدون إضافة.
وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي نحوه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وَأَسَرُّوهُ بضاعة} يعني: إخوة يوسف أسرّوا شأنه، وكتموا أن يكون أخاهم، وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته، واختار البيع فباعه إخوته بثمن بخس.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن مجاهد قال: أسرّه التجار بعضهم من بعض.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عنه {وَأَسَرُّوهُ بضاعة} قال: صاحب الدلو ومن معه، قالوا لأصحابهم: إنا استبضعناه خيفة أن يشركوهم فيه إن علموا به، واتبعهم إخوته يقولون للمدلى وأصحابه: استوثقوا منه لا يأبق حتى وقفوا بمصر، فقال: من يبتاعني ويبشر، فابتاعه الملك والملك مسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد في قوله: {وَشَرَوْهُ} قال: إخوة يوسف باعوه حين أخرجه المدلي دلوه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: بيع بينهم بثمن بخس، قال: حرام لم يحلّ لهم بيعه، ولا أكل ثمنه.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} قال: هم السيارة.
وأخرج أبو الشيخ عن عليّ بن أبي طالب أنه قضى في اللقيط أنه حرّ، وقرأ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ}.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: البخس القليل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الشعبي مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: إنما اشتري يوسف بعشرين درهماً، وكان أهله حين أرسل إليهم بمصر ثلاثمائة وتسعين إنساناً: رجالهم أنبياء، ونساؤهم صدّيقات، والله ما خرجوا مع موسى حتى بلغوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً.
وقد روي في مقدار ثمن يوسف غير هذا المقدار مما لا حاجة إلى التطويل بذكره.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَقَالَ الذى اشتراه مِن مّصْرَ} قال: كان اسمه قطفير.
وأخرج أبو الشيخ عن شعيب الجبائي: أن اسم امرأة العزيز زليخا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال: الذي اشتراه أطيفير بن روحب، وكان اسم امرأته راعيل بنت رعاييل.
وأخرج ابن جرير، وابن إسحاق، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: اسم الذي باعه من العزيز مالك بن زعر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في قوله: {أَكْرِمِى مَثْوَاهُ} قال: منزلته.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن قتادة مثله.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن سعد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرّس في يوسف، فقال لامرأته: {أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً} والمرأة التي أتت موسى فقالت لأبيها: {يا أبت استأجره} [القصص: 26]، وأبو بكر حين استخلف عمر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} قال: عبارة الرؤيا.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد، والطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} قال: ثلاثاً وثلاثين سنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: أربعين سنة.
وأخرج عن عكرمة قال: خمسا وعشرين سنة.
وأخرج عن السدّي قال: ثلاثين سنة.
وأخرج عن سعيد بن جبير قال: ثماني عشرة سنة.
وأخرج عن ربيعة قال: الحلم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الشعبي نحوه.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: عشرين سنة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} قال: هو الفقه والعلم والعقل قبل النبوّة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} قال: المهتدين.


المراودة: الإرادة والطلب برفق ولين وقيل: هي مأخوذة من الرود أي: الرفق والتأني، يقال أرودني: أمهلني. وقيل: المراودة مأخوذة من راد يرود إذا جاء وذهب. كأن المعنى: أنها فعلت في مراودتها له فعل المخادع، ومنه الرائد لمن يطلب الماء والكلأ، وقد يخص بمحاولة الوقاع فيقال: راود فلان جاريته عن نفسها، وراودته هي عن نفسه: إذا حاول كل واحد منهما الوطء والجماع، وهي مفاعلة، وأصلها أن تكون من الجانبين، فجعل السبب هنا في أحد الجانبين قائماً مقام المسبب، فكأن يوسف عليه السلام لما كان ما أعطيه من كمال الخلق والزيادة في الحسن سبباً لمراودة امرأة العزيز له مراود. وإنما قال: {التى هُوَ فِى بَيْتِهَا} ولم يقل: امرأة العزيز، وزليخا قصداً إلى زيادة التقرير مع استهجان التصريح باسم المرأة والمحافظة على الستر عليها {وَغَلَّقَتِ الأبواب} قيل: في هذه الصيغة ما يدلّ على التكثير، فيقال: غلق الأبواب، ولا يقال: غلق الباب، بل يقال: أغلق الباب، وقد يقال: أغلق الأبواب، ومنه قول الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء:
ما زلت أغلق أبواباً وأفتحها *** حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
قيل: وكانت الأبواب سبعة.
قوله: {هَيْتَ لَكَ}. قرأ أبو عمرو، وعاصم، والكسائي، وحمزة، والأعمش بفتح الهاء وسكون الياء وفتح التاء، وبها قرأ ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، وعكرمة. قال ابن مسعود: لا تنطعوا في القراءة، فإنما هو مثل قول أحدكم: هلمّ وتعال، وقرأ ابن أبي إسحاق النحوي بفتح الهاء وكسر التاء. وقرأ عبد الرحمن السلمي وابن كثير {هيت} بفتح الهاء وضم التاء، ومنه قول طرفة:
كيْسَ قومي بالأبعدين إذا ما *** قال داع من العشيرة هَيتُ
وقرأ أبو جعفر ونافع بكسر الهاء وسكون الياء وفتح التاء. وقرأ عليّ وابن عباس في رواية عنه وهشام بكسر الهاء وبعدها همزة ساكنة وضم التاء. وقرأ ابن عامر وأهل الشام بكسر الهاء وبالهمزة وفتح التاء. ومعنى {هيت} على جميع القراءات معنى هلمّ وتعال؛ لأنها من أسماء الأفعال إلاّ في قراءة من قرأ بكسر الهاء بعدها همزة وتاء مضمومة. فإنها بمعنى: تهيأت لك. وأنكر أبو عمرو هذه القراءة.
وقال أبو عبيدة: سئل أبو عمرو عن قراءة من قرأ بكسر الهاء والهمزة وضم التاء فقال: باطل جعلها بمعنى تهيأت، اذهب فاستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن، هل تعرف أحداً يقول هكذا؟ وأنكرها أيضاً الكسائي.
وقال النحاس: هي جيدة عند البصريين؛ لأنه يقال: هاء الرجل يهاء ويهيء هيئة، ورجح الزجاج القراءة الأولى، وأنشد بيت طرفة المذكور هيتا بالفتح، ومنه قول الشاعر في عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه:
أبلغ أمير المؤمنين *** أخا العراق إذا أتيتا
أن العراق وأهله *** سلم إليك فهيت هيتا
وتكون اللام في {لَكَ} على القراءات الأولى التي هي فيها بمعنى اسم الفعل للبيان، أي: لك. أقول هذا كما في هلمّ لك. قال النحويون: هيت جاء بالحركات الثلاث: فالفتح للخفة، والكسر لالتقاء الساكنين، والضم تشبيهاً بحيث، وإذا بين باللام نحو: {هيت لك} فهو صوت قائم مقام المصدر كأف له، أي: لك أقول هذا، وإن لم يبين باللام فهو صوت قائم مقام مصدر الفعل فيكون اسم فعل، إما خبر أي: تهيأت، وإما أمر أي: أقبل.
وقال في الصحاح: يقال: هوّت به وهيت به إذا صاح به ودعاه، ومنه قول الشاعر:
يحدو بها كل فتى هيات ***
وقد روي عن ابن عباس والحسن أنها كلمة سريانية معناها أنها تدعوه إلى نفسها. قال أبو عبيدة: كان الكسائي يقول: هي لغة لأهل حوران وقعت إلى أهل الحجاز معناها تعال. قال أبو عبيدة: فسألت شيخاً عالماً من حوران فذكر أنها لغتهم. {قَالَ مَعَاذَ الله} أي: أعوذ بالله معاذاً مما دعوتني إليه، فهو مصدر منتصب بفعل محذوف مضاف إلى اسم الله سبحانه، وجملة {إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ} تعليل للامتناع الكائن منه ببعض الأسباب التي هي أقرب إلى فهم امرأة العزيز، والضمير للشأن أي: إن الشأن ربي، يعني: العزيز أي سيدي الذي رباني وأحسن مثواي حيث أمرك بقوله: {أَكْرِمِى مَثْوَاهُ} فكيف أخونه في أهله وأجيبك إلى ما تريدين من ذلك؟ وقال الزجاج: إن الضمير لله سبحانه أي: إن الله ربي تولاني بلطفه فلا أركب ما حرّمه، وجملة {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} تعليل آخر للامتناع منه عن إجابتها، والفلاح: الظفر. والمعنى: أنه لا يظفر الظالمون بمطالبهم، ومن جملة الظالمين الواقعون في مثل هذه المعصية التي تطلبها امرأة العزيز من يوسف.
قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} يقال: همّ بالأمر إذا قصده وعزم عليه. والمعنى: أنه همّ بمخالطتها كما همت بمخالطته ومال كل واحد منهما إلى الآخر بمقتضى الطبيعة البشرية والجبلة الخلقية، ولم يكن من يوسف عليه السلام القصد إلى ذلك اختياراً كما يفيده ما تقدّم من استعاذته بالله، وإن ذلك نوع من الظلم. ولما كان الأنبياء معصومين عن الهمّ بالمعصية والقصد إليها شطح أهل العلم في تفسير هذه الآية بما فيه نوع تكلف، فمن ذلك ما قاله أبو حاتم قال: كنت أقرأ على أبي عبيدة غريب القرآن، فلما أتيت على {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} قال: هذا على التقديم والتأخير: كأنه قال: ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها.
وقال أحمد بن يحيى ثعلب: أي همت زليخا بالمعصية وكانت مصرّة، وهمّ يوسف ولم يوقع ما همّ به، فبين الهمين فرق، ومن هذا قول الشاعر:
هممت بهم من ثنية لؤلؤ *** شفيت غليلات الهوى من فؤاديا
فهذا إنما هو حديث نفس من غير عزم، وقيل همّ بها بمعنى تمنى أن يتزوّجها.
وقد ذهب جمهور المفسرين من السلف والخلف إلى ما قدّمنا من حمل اللفظ على معناه اللغوي، ويدل على هذا ما سيأتي من قوله: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} [يوسف: 52]، وقوله: {وَمَا أُبَرّئ نَفْسِى إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء} [يوسف: 53] ومجرد الهمّ لا ينافي العصمة، فإنها قد وقعت العصمة عن الوقوع في المعصية، وذلك المطلوب، وجواب {لو} في {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} محذوف: أي لولا أن رأى برهان ربه لفعل ما همّ به.
واختلف في هذا البرهان الذي رآه ما هو؟ فقيل: إن زليخا قامت عند أن همت به وهمّ بها إلى صنم لها في زاوية البيت فسترته بثوب فقال: ما تصنعين؟ قالت: أستحي من إلهي هذا أن يراني على هذه الصورة، فقال يوسف: أنا أولى أن أستحي من الله تعالى. وقيل: إنه رأى في سقف البيت مكتوباً {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32]. وقيل: رأى كفاً مكتوباً عليها {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين} [الانفطار: 10] وقيل إن البرهان هو تذكره عهد الله وميثاقه وما أخذه على عباده. وقيل: نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء؟ وقيل: رأى صورة يعقوب على الجدار عاضاً على أنملته يتوعده، وقيل غير ذلك مما يطول ذكره. والحاصل أنه رأى شيئاً حال بينه وبين ما همّ به.
قوله: {كذلك لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء والفحشاء} الكاف نعت مصدر محذوف، والإشارة بذلك إلى الإراءة المدلول عليها بقوله: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك أي: مثل تلك الإراءة أريناه، أو مثل ذلك التثبيت ثبتناه. {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء} أي: كل ما يسوؤه، والفحشاء كل أمر مفرط القبح. وقيل: السوء الخيانة للعزيز في أهله، والفحشاء: الزنا؛ وقيل: السوء الشهوة، والفحشاء: المباشرة؛ وقيل: السوء الثناء القبيح. والأولى الحمل على العموم فيدخل فيه ما يدل عليه السياق دخولاً أولياً، وجملة {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} تعليل لما قبله. قرأ ابن عامر، وابن كثير، وأبو عمرو {المخلصين} بكسر اللام، وقرأ الآخرون بفتحها. والمعنى على القراءة الأولى: أن يوسف عليه السلام كان ممن أخلص طاعته لله، وعلى الثانية أنه كان ممن استخلصه الله للرسالة، وقد كان عليه السلام مخلصاً مستخلصاً.
{واستبقا الباب} أي: تسابقا إليه، فحذف حرف الجرّ وأوصل الفعل بالمفعول، أو ضمن الفعل معنى فعل آخر يتعدّى بنفسه كابتدرا الباب، وهذا الكلام متصل بقوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} وما بينهما اعتراض.
ووجه تسابقهما أن يوسف يريد الفرار والخروج من الباب، وامرأة العزيز تريد أن تسبقه إليه لتمنعه، ووحد الباب هنا وجمعه فيما تقدّم، لأن تسابقهما كان إلى الباب الذي يخلص منه إلى خارج الدار {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ} أي: جذبت قميصه من ورائه فانشق إلى أسفله، والقدّ: القطع، وأكثر ما يستعمل فيما كان طولاً، والقط بالطاء يستعمل فيما كان عرضاً، وقع منها ذلك عند أن فرّ يوسف لما رأى برهان ربه، فأرادت أن تمنعه من الخروج بجذبها لقميصه {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لدى الباب} أي: وجدا العزيز هنالك، وعني بالسيد: الزوج لأن القبط يسمون الزوج سيداً، وإنما لم يقل: سيدهما، لأن ملكه ليوسف لم يكن صحيحاً فلم يكن سيداً له.
وجملة {قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا} مستأنفة جواب سؤال مقدّر كأنه قيل: فما كان منهما عند أن ألفيا سيدها لدى الباب، و{ما} استفهامية، والمراد بالسوء هنا الزنا. قالت هذه المقالة طلباً منها للحيلة وللستر على نفسها، فنسبت ما كان منها إلى يوسف أيّ: جزاء يستحقه من فعل مثل هذا، ثم أجابت عن استفهامها بقولها: {إِلا أَن يُسْجَنَ} أي: ما جزاؤه إلاّ أن يسجن، ويحتمل أن تكون {ما} نافية أي: ليس جزاؤه إلا السجن أو العذاب الأليم. قيل: والعذاب الأليم هو الضرب بالسياط، والظاهر أنه ما يصدق عليه العذاب الأليم من ضرب أو غيره، وفي الإبهام للعذاب زيادة تهويل.
وجملة {قَالَ هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى} مستأنفة كالجملة الأولى.
وقد تقدّم بيان معنى المراودة أي: هي التي طلبت مني ذلك ولم أرد بها سوءاً {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} أي: من قرابتها، وسمي الحكم بينهما شهادة لما يحتاج فيه من التثبت والتأمل، قيل: لما التبس الأمر على العزيز احتاج إلى حاكم يحكم بينهما ليتبين له الصادق من الكاذب. قيل: كان ابن عمّ لها واقفاً مع العزيز في الباب. وقيل: ابن خال لها. وقيل: إنه طفل في المهد تكلم. قال السهيلي: وهو الصحيح للحديث الوارد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر من تكلم في المهد، وذكر من جملتهم شاهد يوسف. وقيل: إنه رجل حكيم كان العزيز يستشيره في أموره، وكان من قرابة المرأة {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} أي: فقال الشاهد هذه المقالة مستدلاً على بيان صدق الصادق منهما، وكذب الكاذب، بأن قميص يوسف إن كان مقطوعاً من قبل: أي من جهة القبل {فَصَدَقَتْ} أي: فقد صدقت بأنه أراد بها سوءاً {وَهُوَ مِنَ الكاذبين} في قوله إنها راودته عن نفسه. وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق {من قبل} بضم اللام، وكذا قرأ: {من دبر} قال الزجاج: جعلاهما غايتين كقبل وبعد كأنه قيل: من قبله ومن دبره، فلما حذف المضاف إليه: وهو مراد صار المضاف غاية بعد أن كان المضاف إليه هو الغاية.
{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} أي: من ورائه {فَكَذَّبْتَ} في دعواها عليه {وَهُوَ مِن الصادقين} في دعواه عليها، ولا يخفى أن هاتين الجملتين الشرطيتين لا تلازم بين مقدّميهما وتالييهما، لا عقلاً ولا عادة، وليس ها هنا إلاّ مجرد أمارة غير مطردة، إذ من الجائز أن تجذبه إليها وهو مقبل عليها فينقدّ القميص من دبر، وأن تجذبه وهو مدبر عنها فينقدّ القميص من قبل.
{فَلَماَّ رَأَى} أي: العزيز {قَمِيصِهِ} أي: قميص يوسف {قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ} أي: هذا الأمر الذي وقع فيه الاختلاف بينكما، أو أن قولك: {مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا} {مِن كَيْدِكُنَّ} أي: من جنس كيدكنّ يا معشر النساء {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} والكيد: المكر والحيلة.
ثم خاطب العزيز يوسف عليه السلام بقوله: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا} أي: عن هذا الأمر الذي جرى واكتمه ولا تتحدّث به، ثم أقبل عليها بالخطاب فقال: {واستغفرى لِذَنبِكِ} الذي وقع منك {إِنَّكَ كُنتَ} بسبب ذلك {مِنَ الخاطئين} أي: من جنسهم، والجملة تعليل لما قبلها من الأمر بالاستغفار ولم يقل من الخاطئات تغليباً للمذكر على المؤنث كما في قوله: {وَكَانَتْ مِنَ القانتين} [التحريم: 12] ومعنى {من الخاطئين} من المتعمدين، يقال: خطئ إذا أذنب متعمداً، وقيل: إن القائل ليوسف ولامرأة العزيز بهذه المقالة هو الشاهد الذي حكم بينهما.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وَرَاوَدَتْهُ التى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} قال: هي امرأة العزيز.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: راودته حين بلغ مبلغ الرجال.
وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {هَيْتَ لَكَ} قال: هلمّ لك تدعوه إلى نفسها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه قال: هلم لك بالقبطية، وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: هي كلمة بالسريانية أي: عليك.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: معناها تعال.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد: إنها لغة عربية تدعوه بها إلى نفسها.
وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ: {هئت لك} مكسورة الهاء مضمومة التاء مهموزة، قال: تهيأت لك.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {إِنَّهُ رَبّى} قال: سيدي، قال: يعني زوج المرأة.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: لما همت به تزينت ثم استلقت على فراشها، {وهمّ بها} جلس بين رجليها يحلّ ثيابه، فنودي من السماء يا ابن يعقوب لا تكن كطائر نتف ريشه، فبقي لا ريش له، فلم يتعظ على النداء شيئاً حتى رأى برهان ربه جبريل في صورة يعقوب، عاضاً على أصبعه، ففزع فخرجت شهوته من أنامله، فوثب إلى الباب فوجده مغلقاً، فرفع يوسف رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له، واتبعته فأدركته، فوضعت يديها في قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه، فألفيا سيدها لدى الباب.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} قال: طمعت فيه وطمع فيها، وكان فيه من الطمع أن همّ بحل التكة، فقامت إلى صنم لها مكلل بالدرّ والياقوت في ناحية البيت، فسترته بثوب أبيض بينها وبينه، فقال: أيّ شيء تصنعين؟ فقالت: أستحي من إلهي أن يراني على هذه السوءة، فقال يوسف: تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب، ولا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت؟ ثم قال: لا تناليها مني أبداً، وهو البرهان الذي رأى.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} قال: مثل له يعقوب، فضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله.
وقد أطال المفسرون في تعيين البرهان الذي رآه، واختلفت أقوالهم في ذلك اختلافاً كثيراً.
وأخرج ابن جرير عن زيد بن ثابت قال: السيد الزوج، يعني في قوله: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لدى الباب}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال: القيد.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} قال: صبي أنطقه الله كان في الدار.
وأخرج أحمد، وابن جرير، والبيهقي، في الدلائل عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم».
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} قال: كان رجلاً ذا لحية.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وأبو الشيخ عنه قال: كان من خاصة الملك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن قال: هو رجل له فهم وعلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: ابن عمّ لها كان حكيماً.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد قال: إنه ليس بإنسيّ ولا جنيّ هو خلق من خلق الله. قلت: ولعله لم يستحضر قوله تعالى: {مّنْ أَهْلِهَا}.


يقال: {نُسوة} بضم النون، وهي قراءة الأعمش، والمفضل والسُّلَمىّ، ويقال: {نسوة} بكسر النون، وهي قراءة الباقين، والمراد جماعة من النساء، ويجوز التذكير في الفعل المسند إليهنّ كما يجوز التأنيث. قيل: وهي امرأة ساقي العزيز وامرأة خبازه، وامرأة صاحب دوابه، وامرأة صاحب سجنه، وامرأة حاجبه. والفتى في كلام العرب: الشاب، والفتاة: الشابة، والمراد به هنا: غلامها، يقال: فتاي وفتاتي أي: غلامي وجاريتي، وجملة {قَدْ شَغَفَهَا حُبّا} في محل رفع على أنها خبر ثانٍ للمبتدأ، أو في محل نصب على الحال، ومعنى {شغفها حباً}: غلبها حبه، وقيل: دخل حبه في شغافها. قال أبو عبيدة: وشغاف القلب غلافه وهو جلدة عليه. وقيل: هو وسط القلب، وعلى هذا يكون المعنى: دخل حبه إلى شغافها فغلب عليه، وأنشد الأصمعي قول الراجز:
يتبعها وهي له شغاف ***
وقرأ جعفر بن محمد، وابن محيصن، والحسن {شعفها} بالعين المهملة. قال ابن الأعرابي: معناه أجرى حبه عليها. وقرأ غيرهم بالمعجمة. قال الجوهري: شغفه الحبّ: أحرق قلبه.
وقال أبو زيد: أمرضه. قال النحاس: معناه عند أكثر أهل اللغة: قد ذهب بها كل مذهب؛ لأن شغاف الجبال: أعاليها، وقد شغف بذلك شغفاً بإسكان الغين المعجمة: إذا ولع به، وأنشد أبو عبيدة بيت امرئ القيس:
أتقتلني وقد شغفت فؤادها *** كما شغف المهنوءَة الرجل الطالي
قال: فشبهت لوعة الحب بذلك. وقرأ الحسن: {قد شغفها} بضم الغين. قال النحاس: وحكي قد شغفها بكسر الغين، ولا يعرف ذلك في كلام العرب إلاّ شغفها بفتح الغين. ويقال: إن الشغاف الجلدة اللاصقة بالكبد التي لا ترى، وهي الجلدة البيضاء، فكأنه لصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالكبد، وجملة {إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضلال مُّبِينٍ} مقرّرة لمضمون ما قبلها. والمعنى: إنا لنراها، أي: نعلمها في فعلها هذا، وهو المراودة لفتاها في ضلال عن طريق الرشد والصواب المبين: واضح لا يلتبس على من نظر فيه.
{فَلَمَّا سَمِعَتْ} امرأة العزيز {بِمَكْرِهِنَّ} أي: بغيبتهنّ إياها، سميت الغيبة مكراً لاشتراكهما في الإخفاء، وقيل: أردن أن يتوسلن بذلك إلى رؤية يوسف، فلهذا سمي قولهنّ مكراً. وقيل: إنها أسرّت عليهنّ فأفشين سرّها فسمي ذلك مكراً، {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} أي: تدعوهنّ إليها لينظرن إلى يوسف حتى يقعن فيما وقعت فيه {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ} أي: هيأت لهن مجالس يتكئن عليها، وأعتدت من الاعتداد، وهو كل ما جعلته عدّة لشيء. وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير {متكأ} مخففاً غير مهموز، والمتك: هو الأترج بلغة القبط، ومنه قول الشاعر:
نشرب الإثم بالصواع جهاراً *** وترى المتك بيننا مستعارا
وقيل: إن ذلك هو لغة أزد شنوءة.
وقيل: حكي ذلك عن الأخفش.
وقال الفراء: إنه ماء الورد. وقرأ الجمهور {متكأ} بالهمز والتشديد، وأصح ما قيل فيه: إنه المجلس، وقيل: هو الطعام، وقيل: المتكأ: كل ما اتكئ عليه عند طعام أو شراب أو حديث.
وحكى القتيبي أنه يقال: اتكأنا عند فلان، أي: أكلنا، ومنه قول الشاعر:
فظللنا بنعمةٍ واتكأنا *** وشربنا الحلال من قلله
ويؤيد هذا قوله: {وآتت كل واحدة منهن سكيناً} فإن ذلك إنما يكون لشيء يأكلنه بعد أن يقطعنه، والسكين تذكر وتؤنث، قاله الكسائي والفراء. قال الجوهري: والغالب عليه التذكير، والمراد من إعطائها لكل واحدة سكيناً: أن يقطعن ما يحتاج إلى التقطيع من الأطعمة، ويمكن أنها أرادت بذلك ما سيقع منهنّ من تقطيع أيديهنّ وقالت ليوسف {اخرج عَلَيْهِنَّ} أي: في تلك الحالة التي هنّ عليها من الاتكاء والأكل وتقطيع ما يحتاج إلى التقطيع من الطعام.
قوله: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي: عظمنه، وقيل: أمذين، ومنه قول الشاعر:
إذا ما رأين الفحل من فوق قلة *** صهلن وأكبرن المنيّ المقطرا
وقيل: حضن. قال الأزهري: أكبرن بمعنى حضن، والهاء للسكت، يقال: أكبرت المرأة أي: دخلت في الكبر بالحيض، وقع منهنّ ذلك دهشاً وفزعاً لما شاهدنه من جماله الفائق، وحسنه الرائق، ومن ذلك قول الشاعر:
نأتي النساء على أطهارهنّ ولا *** نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره، قالوا: ليس ذلك في كلام العرب. قال الزجاج: يقال: أكبرنه ولا يقال: حضنه، فليس الإكبار بمعنى الحيض. وأجاب الأزهري فقال: يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية.
وقد زيف هذا بأن هاء الوقف تسقط في الوصل.
وقال ابن الأنباري: إن الهاء كناية عن مصدر الفعل أي: أكبرن إكباراً بمعنى حضن حيضاً {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أي: جرحنها، وليس المراد به القطع الذي تبين منه اليد، بل المراد به: الخدش والحزّ، وذلك معروف في اللغة كما قال النحاس، يقال: قطع يد صاحبه إذا خدشها. وقيل: المراد بأيديهنّ هنا: أناملهنّ، وقيل: أكمامهنّ. والمعنى: أنه لما خرج يوسف عليهنّ أعظمنه ودهشن، وراعهنّ حسنه حتى اضطربت أيديهنّ فوقع القطع عليها، وهنّ في شغل عن ذلك، بما دهمهنّ، مما تطيش عنده الأحلام، وتضطرب له الأبدان، وتزول به العقول: {وقلن حاشا لله} كذا قرأ أبو عمرو بن العلاء بإثبات الألف في حاشا. وقرأ الباقون بحذفها. وقرأ الحسن {حاش لله} بإسكان الشين.
وروي عنه أنه قرأ: {حاش الإله}. وقرأ ابن مسعود وأبي {حاشا لله}. قال الزجاج: وأصل الكلمة من الحاشية بمعنى الناحية، تقول كنت في حاشية فلان: أي في ناحيته، فقولك حاشا لزيد من هذا أي: تباعد منه.
وقال أبو عليّ: هو من المحاشاة: وقيل: إن حاش حرف، وحاشا فعل، وكلام أهل النحو في هذه الكلمة معروف، ومعناها هنا التنزيه، كما تقول: أسى القوم حاشا زيداً، فمعنى {حاشا لله}: براءة لله وتنزيه له.
قوله: {مَا هذا بَشَرًا} إعمال {ما} عمل ليس هي لغة أهل الحجاز، وبها نزل القرآن كهذه الآية، وكقوله سبحانه: {مَّا هُنَّ أمهاتهم} [المجادلة: 2]. وأما بنو تميم فلا يعملونها عمل ليس.
وقال الكوفيون: أصله ما هذا ببشر، فلما حذفت الباء انتصب. قال أحمد بن يحيى ثعلب: إذا قلت ما زيد بمنطلق، فموضع الباء موضع نصب، وهكذا سائر حروف الخفض. وأما الخليل، وسيبويه، وجمهور النحويين فقد أعملوها عمل ليس، وبه قال البصريون والبحث مقرّر في كتب النحو بشواهده وحججه، وإنما نفين عنه البشرية؛ لأنه قد برز في صورة قد لبست من الجمال البديع ما لم يعهد على أحد من البشر، ولا أبصر المبصرون ما يقاربه في جميع الصور البشرية، ثم لما نفين عنه البشرية لهذه العلة أثبتن له الملكية وإن كن لا يعرفن الملائكة لكنه قد تقرّر في الطباع أنهم على شكل فوق شكل البشر في الذات والصفات، وأنهم فائقون في كل شيء، كما تقرّر أن الشياطين على العكس من ذلك، ومن هذا قول الشاعر:
فلست لإنسيٍّ ولكن لملاكٍ *** تنزل من جوّ السماء يُصوب
وقرأ الحسن {ما هذا بشراء} على أن الباء حرف جرّ، والشين مكسورة: أي ما هذا بعبد يشترى، وهذه قراءة ضعيفة لا تناسب ما بعدها من قوله: {إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ}.
واعلم أنه لا يلزم من قول النسوة هذا أن الملائكة صورهم أحسن من صور بني آدم، فإنهنّ لم يقلنه لدليل، بل حكمن على الغيب بمجرد الاعتقاد المرتكز في طباعهن وذلك ممنوع، فإن الله سبحانه يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]. وظاهر هذا أنه لم يكن شيء مثله من أنواع المخلوقات في حسن تقويمه وكمال صورته. فما قاله صاحب الكشاف في هذا المقام هو من جملة تعصباته لما رسخ في عقله من أقوال المعتزلة، على أن هذه المسألة أعني: مسألة المفاضلة بين الملائكة والبشر ليست من مسائل الدين في ورد ولا صدر، فما أغنى عباد الله عنها وأحوجهم إلى غيرها من مسائل التكليف.
{قَالَتْ فذلكن الذى لُمْتُنَّنِى فِيهِ} الإشارة إلى يوسف، والخطاب للنسوة أي: عيرتنني فيه. قالت لهنّ هذا لما رأت افتتانهنّ بيوسف إظهاراً لعذر نفسها، ومعنى {فيه} أي: في حبه. وقيل: الإشارة إلى الحب، والضمير له أيضاً، والمعنى: فذلك الحب الذي لمتنني فيه هو ذلك الحب، والأول أولى. ورجحه ابن جرير. وأصل اللوم: الوصف بالقبيح. ثم لما أظهرت عذر نفسها عند النسوة بما شاهدته مما وقعن فيه عند ظهوره لهنّ ضاق صدرها عن كتم ما تجده في قلبها من حبه، فأقرّت بذلك وصرّحت بما وقع منها من المراودة له، فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فاستعصم} أي: استعف وامتنع مما أريده طالباً لعصمة نفسه عن ذلك، ثم توعدته إن لم يفعل ما تريده كاشفة لجلباب الحياء، هاتكة لستر العفاف، فقالت: {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مّن الصاغرين} أي: لئن لم يفعل ما قد أمرته به فيما تقدّم ذكره عند أن غلقت الأبواب، وقالت: هيت لك {ليسجنن} أي: يعتقل في السجن {وليكونن من الصاغرين} الأذلاء لما يناله من الإهانة، ويسلب عنه من النعمة والعزّة في زعمها، قرئ: {ليكوننّ} بالتثقيل والتخفيف، قيل: والتخفيف أولى لأن النون كتبت في المصحف ألفاً على حكم الوقف.
وذلك لا يكون إلاّ في الخفيفة، وأما {ليسجنن} فبالتثقيل لا غير.
فلما سمع يوسف مقالها هذا، وعرف أنها عزمة منها مع ما قد علمه من نفاذ قولها عند زوجها العزيز قال مناجياً لربه سبحانه: {رَبّ السجن} أي: يا ربّ السجن الذي أوعدتني هذه به {أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ} من مؤاتاتها والوقوع في المعصية العظيمة التي تذهب بخير الدنيا والآخرة. قال الزجاج: أي دخول السجن، فحذف المضاف.
وحكى أبو حاتم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قرأ: {السجن} بفتح السين، وقرأ كذلك ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن الأعرج، ويعقوب، وهو مصدر سجنه سجناً، وإسناد الدعوة إليهنّ جميعاً، لأن النسوة رغبنه في مطاوعتها وخوّفنه من مخالفتها، ثم جرى على هذا في نسبة الكيد إليهن جميعاً؛ فقال: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ} أما الكيد من امرأة العزيز فما قد قصه الله سبحانه في هذه السورة، وأما كيد سائر النسوة فهو ما تقدّم من الترغيب له في المطاوعة والتخويف من المخالفة. وقيل: إنها كانت كل واحدة تخلو به وحدها وتقول له: يا يوسف اقض لي حاجتي فأنا خير لك من امرأة العزيز، وقيل: إنه خاطب امرأة العزيز بما يصلح لخطاب جماعة النساء تعظيماً لها، أو عدولاً عن التصريح إلى التعريض. والكيد: الاحتيال. وجزم {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} على أنه جواب الشرط أي: أمل إليهنّ، من صبا يصبو: إذا مال واشتاق، ومنه قول الشاعر:
إلى هند صبا قلبي *** وهند حبها يصبي
{وَأَكُن مّنَ الجاهلين} معطوف على {أصب} أي: أكن ممن يجهل ما يحرم ارتكابه ويقدم عليه، أو ممن يعمل عمل الجهال.
قوله: {فاستجاب لَهُ رَبُّهُ} لما قال: {وإلاّ تصرف عني كيدهنّ} كان ذلك منه تعرضاً للدعاء، وكأنه قال: اللهمّ اصرف عني كيدهنّ، فالاستجابة من الله تعالى له هي بهذا الاعتبار؛ لأنه لم يتقدّم دعاء صريح منه عليه السلام، والمعنى: أنه لطف به وعصمه عن الوقوع في المعصية؛ لأنه إذا صرف عنه كيدهنّ لم يقع شيء مما رمنه منه، ووجه إسناد الكيد قد تقدّم، وجملة {إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} تعليل لما قبلها من صرف كيد النسوة عنه أي: إنه هو السميع لدعوات الداعين له، العليم بأحوال الملتجئين إليه.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {قَدْ شَغَفَهَا} غلبها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه {قَدْ شَغَفَهَا} قال: قتلها حب يوسف. الشغف: الحبّ القاتل، والشعف: حبّ دون ذلك، والشغاف: حجاب القلب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً {قَدْ شَغَفَهَا} قال: قد علقها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} قال: بحديثهنّ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} قال: بعملهن، وكل مكر في القرآن فهو عمل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في قوله: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ} قال: هيأت لهن مجلساً، وكان سنتهم إذا وضعوا المائدة أعطوا كل إنسان سكيناً يأكل بها {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ} قال: فلما خرج عليهن يوسف {أَكْبَرْنَهُ} قال: أعظمنه ونظرن إليه، وأقبلن يحززن أيديهنّ بالسكاكين وهنّ يحسبن أنهن يقطعن الطعام.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ} قال: أعطتهنّ أترنجا، وأعطت كل واحدة منهنّ سكيناً، فلما رأين يوسف أكبرنه، وجعلن يقطعن أيديهنّ وهن يحسبن أنهنّ يقطعن الأترنج.
وأخرج مسدد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه عنه: المتكأ: الأترنج، وكان يقرأها خفيفة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد {متكأ} قال: طعاماً.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عنه قال: هو الأترنج.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: هو كل شيء يقطع بالسكين.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن الضحاك مثله.
وأخرج أبو الشيخ من طريق عبد العزيز بن الوزير بن الكميت بن زيد قال: حدّثني أبي، عن جدّي يقول في قوله: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} قال: أمنين. وأنشد:
ولما رأته الخيل من رأس شاهق *** صهلن وأمنين المنى المدفقا
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عبد الصمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده ابن عباس في قوله: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} قال: لما خرج عليهنّ يوسف حضن من الفرح، وذكر قول الشاعر الذي قدّمنا ذكره:
نأتي النساء لدى أطهارهنّ ولا *** نأتي النساء إذ أكبرنَ إكباراً
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {أَكْبَرْنَهُ} قال: أعظمنه {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} قال: حزّا بالسكين حتى ألقينها {وَقُلْنَ حاشا لِلَّهِ} قال: معاذ الله.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} قال: قلن ملك من الملائكة من حسنه.
وأخرج أبو الشيخ عن منبه، عن أبيه قال: مات من النسوة التي قطعن أيديهنّ تسع عشرة امرأة كمداً.
وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والحاكم عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أعطي يوسف وأمه شطر الحسن»، وقد وردت روايات عن جماعة من السلف في وصف حسن يوسف، والمبالغة في ذلك، ففي بعضها أنه أعطي نصف الحسن، وفي بعضها ثلثه، وفي بعضها ثلثيه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن عباس {فاستعصم} قال: امتنع.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن قتادة {فاستعصم} قال: فاستعصى.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ} قال: إن لا تكن منك أنت القوي والمنعة لا تكن مني ولا عندي.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} قال: أتبعهنّ.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: أطاوعهنّ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6